عرفت الأقاليم الجنوبية منذ استرجاع المغرب لصحرائه تطورا ملحوظا في مجال التعليم. كما أنه في السنوات الأخيرة، ومن خلال برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015، عرف مجال التربية والتعليم سرعة نوعية في مسيرة هذا التطور بفضل ما تم إنجازه من مشاريع ملكية خُصَّتْ بهذه الجهات. وساهم التزايد المهم للبنى التحتية، من مدارس وجامعات ومؤسسات التكوين المهني، في ارتفاع ملموس في نسبة الالتحاق بالمدارس بالنظر إلى المعدل الوطني، ونفس الأمر بالنسبة لعدد المدرسين العاملين بهذه الأقاليم.
يعيش قطاع التعليم والتربية والتكوين وكذا التعليم العالي وتكوين الأطر إضافة إلى التكوين المهني، انتعاشا كبيرا بجهة كلميم واد نون. فبالنسبة للشأن التربوي، عرف القطاع انطلاق مشاريع مهمة مندرجة ضمن اتفاقية شراكة لعقد برنامج تمويل إنجاز البرامج المندمجة لجهة كلميم واد نون 2016-2021 التي تم توقيعها أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس بمدينة الداخلة، سنة 2016 والتي خصص لها اعتماد مالي يقدر بـ390 مليون درهم.
يرمي هذا المشروع الضخم إلى إنجاز ما مجموعه 47 مشروعا حيويا، من خلال إحداث 35 مؤسسة تعليمية منها 18 مؤسسة ابتدائية و7 ثانويات إعدادية و10 ثانويات تأهيلية منها ثانويتان تقنيتان.
من شأن هذه المشاريع أن تقرب خدمة التمدرس من الساكنة خصوصا بالعالم القروي، وتقلص من حجم الفوارق المجالية والاجتماعية من خلال توفير عرض مدرسي ميسر لجميع التلاميذ على مستوى كل أقاليم جهة كلميم واد نون.
مشاريع كبيرة عرفتها كل أقاليم جهة كلميم واد نون فيما يخص الشأن المدرسي، بدأت تظهر ثمار نجاحها منذ انطلاق الموسم 2022-2023 في انتظار تفعيل مشاريع تنموية أخرى سيعرفها هذا القطاع إلى جانب مرافق تربوية كملاعب القرب الرياضية والمسابح والقاعة المغطاة وغيرها.
عرفت خارطة التكوين المهني بجهة كلميم واد نون إصلاحات مهيكلة مهمة، شملت كل المعاهد التابعة لمركب التكوين المهني. ويضم هذا المركب ثلاثة معاهد توفر أكثر من 3000 مقعد بيداغوجي يهم مجموعة من الشعب والاختصاصات، من ضمنها التجارة والتسيير والصناعة والإعلام والاتصال والتكنولوجيات الحديثة والفندقة والسياحة. ويتلقى التكوين بهذا المركب إلى جانب الطلبة المغاربة طلبة من مختلف الدول الإفريقية وجنوب الصحراء. ومن المرتقب أن يعرف هذا المركب انطلاق شعب بتخصصات تكوينية جديدة من شأنها أن تزيد من نسبة الإقبال على التكوينات التي توفرها الجهة.
تعد المدرسة العليا للتكنولوجيا بكلميم التي فتحت أبوابها سنة 2011، واحدة من أبرز وأهم المؤسسات التكوينية الكبرى المتواجدة بجهة كلميم واد نون، وأول مؤسسة ضمن صنف التعليم العالي التي فتحت أبوابها بالجهة. وتعمل هذه المؤسسة للاستجابة لحاجيات الجهة من حيث عدد الأطر المتخصصة في مجالات واعدة كالطاقة المتجددة والإعلاميات والتدبير والاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وتستوعب حاليا قرابة 900 طالب وطالبة، كما أنها شهدت تخرج ما يناهز 1400 طالب.
قبل سنتين من الآن، وتحديدا بتاريخ أكتوبر 2020، تم إحداث كلية الاقتصاد والتدبير وضمها لمجموع المدارس العليا والكليات المتواجدة بجهة كلميم واد نون باختلاف مجالات تخصصها. وتؤطر الكلية طلبتها في مجالي الاقتصاد والتدبير، كما توفر إجازة مهنية في كل من الهندسة الاقتصادية و المالية والأبناك. وقد حصلت الكلية مؤخرا على اعتماد في سلكي التخصص المتعلقين بالمحاسبة والتدقيق واللوجيستيك والتجارة العالمية. من حيث الطاقة الاستعابية، تقوم المؤسسة بتكوين 8000 طالب في سلك الإجازة الأساسية، و 800 طالب في الإجازة المهنية. وتشتغل الكلية على تكوين خريجين جاهزين علميا وعمليا باستطاعتهم إحداث مقاولاتهم الخاصة. كما أن الكلية تركزعلى جانب البحث العلمي بشكل خاص وتحفز قدرات الطلبة الفردية وتأهلهم لمسالك الدكتوراة وتطوير البحث.
يعد تجويد العرض التربوي في جهة العيون -الساقية الحمراء من صميم الإصلاحات التي يتم إجراؤها في هذه الجهة. فقد تم خلال السنوات الأخيرة، إعطاء دفعة قوية لقطاع التربية و التعليم في إطار النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة.
فالجدير بالذكر أن جهة العيون الساقية الحمراء تتوفر، على مستوى العرض المتعلق بالبنيات التحتية الخاص بمؤسسات التعليم العمومي، على91 مدرسة ابتدائية و36 إعدادية و25 ثانوية تأهيلية، بالإضافة إلى عدد متزايد من المرافق التعليمية الخاصة، سواء على مستوى التعليم الأولي أو الابتدائي أو الثانوي. وقد خضعت أغلب المؤسسات التعليمية في هذه الجهة إلى أشغال كبرى لتحسين التجهيز والتأهيل بغية توفير ظروف مواتية للتعلم والتأهيل الجيد للتلاميذ. فبينما كان عدد الأطفال المتمدرسين بجهة العيون الساقية الحمراء قبل سنة 1976 لا يتجاوز بضع عشرات، فإن عددهم اليوم يقارب المائة ألف طفل يتابعون تعليمهم بالعديد من المدارس الحديثة والمجهزة بالجهة.
وحرصا منها على ضمان التكوين والتمدرس في أسلاك التعليم العالي بالنسبة للطلاب من أبناء جهة العيون الساقية الحمراء، فقد عملت الدولة على توفير عرض مؤسساتي متنوع وقريب من محل سكناهم. كما أنها حرصت على تنويع فرص التكوين والتعليم بهذه الجهة، إذ تم افتتاح كلية للطب والصيدلة مؤخرًا في العيون مفتوحة في وجه الطلبة الذين ينحدرون من أقاليم طانطان وكلميم والسمارة وطرفاية و بوجدور و أوسرد و آسا الزاك، وكذلك الطلبة المنحدرين من دول جنوب الصحراء. وتشمل هذه المؤسسة، التي تمتد على مساحة 10 هكتارات، مكتبة ومراكز للتكوين ومختبرات متخصصة، ومراكز للبحث، وكذا مدرجاً يتسع لـ 400 مقعد، فضلا عن قاعات للأشغال الموجهة وقاعات خاصة بالتعليم التكنولوجي، وأخرى سوسيو-رياضية.
ومن جهة أخرى، فإن جامعة ابن زهر بأكادير تضم بدورها، عدة مؤسسات تعليمية فرعية موزعة على جهة العيون الساقية الحمراء. ويتعلق الأمر بالخصوص بالمدرسة العليا للتكنولوجيا (EST)، وكذا المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG). بالإضافة إلى افتتاح الجامعة الدولية لأكادير لملحقة تابعة لها بالعيون سنة 2016 علاوة على أربع مؤسسات للتعليم العالي هي: المدرسة العليا للتدبير ISIAM، والمدرسة المتعددة التقنيات للمهندسين، ومدرسة السياحة والفندقة، والمدرسة العليا للعلوم الإنسانية والتواصل (SUP HCom).
التكوين المهني عرف بدوره تطورا في جهة العيون الساقية الحمراء، حيث تم تدشين المعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية (ISTA) في سنة 2019. ويعد ذلك خطوة مهمة أخرى تهدف إلى تطوير التكوين المهني في الجهة وتلبية الحاجة إلى الموارد البشرية المؤهلة، في سياق يتسم بالتنمية الاقتصادية السريعة.
حقق مجال التعليم بجهة الداخلة وادي الذهب، مجموعة من الإنجازات التي جعلته نموذجا يحتذى به في المملكة، خصوصا في الجانب المتعلق بسياسة تعميم التعليم المدرسي.
ولضمان حق التعلم بالنسبة لأبناء الجهة، وتحقيقا للعدالة المجالية وتنزيلها بأرض الواقع، تم وبانتظام فتح مؤسسات تعليمية جديدة وإعادة تأهيل المؤسسات القديمة، سواء منها المدارس الابتدائية أو الإعداديات والثانويات التأهيلية، مع خلق مبادرات تمكن من الإدماج المدرسي للأطفال ومواصلتهم لتعليمهم في ظروف جيدة، وكذا مراعاة التمييز الإيجابي في كل ما يتعلق بالمناطق القروية وشبه الحضرية والمناطق التي تعاني العجز.
ووفقا لمعطيات حديثة صادرة عن الأكاديمية الجهوية للتعليم، فقد وصل عدد التلاميذ إلى 33334 تلميذا، يتمدرسون بـ 75 مؤسسة تعليمية، ضمنها 44 مدرسة ابتدائية و20 إعدادية و10 ثانويات تأهيلية.
كما عرف التعليم العالي بجهة الداخلة وادي الذهب أيضا تقدما ملحوظا. فهو يوفر الآن تكوينا عالي الجودة. ففي سنة 2016 فتحت المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير أبوابها، كخطوة أساسية في تنزيل سياسة اللامركزية الخاصة بالعرض التعليمي الجامعي بالجهة وتكييفها مع الاحتياجات المحلية.
وفي سنة 2021، مكنت المدرسة العليا للتكنولوجيا من تعزيز العرض التكويني وتوفير الموارد البشرية المتخصصة للقطاع الاقتصادي بجهة الداخلة وادي الذهب. حيث تصل القدرة الاستيعابية لهذه المدرسة التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير إلى 1000 مقعد، وهي توفر للطلاب ثلاث مجالات تكوينية: علوم الكمبيوتر وتقنيات الإدارة والهندسة الكهربائية.
علاوة على تعزيز هذه المؤسسات الأكاديمية للنمو الاقتصادي، فإنها تساهم في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة.