تاريخ :مراكش - 6 نونبر 1999
نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لانطلاق للمسيرة الخضراء
“الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله و اله وصحبه.
شعبي العزيز..
جريا على العادة التي سنها والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني رضوان الله عليه تخليدا لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة يسعدنا وقد حلت ذكراها الرابعة والعشرون أن أوجه إليك خطابا أدعوك فيه إلى تأمل حدثها المتفرد الذي يمثل إحدى حلقات الكفاح الذي خضته “شعبي العزيز” من أجل استرجاع الاستقلال واستكمال وحدة التراب.
فبالتحام عميق بين رعايانا المخلصين في شمال المملكة وجنوبها وهو الالتحام الذي وثقت عراه على مر العصور أواصر التواصل المستمر ومقومات الوطنية الصادقة تحقق الإجماع على هذا الكفاح الذي كان فيه لأبناء الصحراء المجاهدين نصيب وافر منذ وقت مبكر بما سجلوا من مواقف بطولية في مختلف واجهاته السياسية والعسكرية والثقافية دفاعا عن انتمائهم القوي للوطن وإظهارا لتشبثهم المتين بمغربيتهم وتمسكهم الوثيق بالعرش العلوي المجيد مما أفشل جميع المخططات الاستعمارية التي كانت تلجأ إلى الإغراء والتهديد وإلى المواجهات العنيفة.
شعبي العزيز..
إن إحياء هذه الذكرى المتميزة يحث على استخلاص العبر من المسيرة إذ تعد حدثا بارزا على مستوى المغرب والعالم كله وهي تستمد هذا التميز من طابعها السلمي الذي برز منذ المراحل الدبلوماسية الأولى التي سبقتها لاسيما على صعيد الأمم المتحدة التي أحالت القضية إلى محكمة العدل الدولية التي لم تلبث أن أصدرت حكمها بإقرار مابين المغرب والصحراء من صلات قانونية وروابط البيعة.
وكان أن تشكلت المسيرة التي تطوع لها مختلف أفراد الشعب من نساء وأطفال وشيوخ وشباب ومن شتى المهن والحرف كلهم سعوا للمساهمة فيها بانتظام محكم مضبوط بدءا من التجمع في الأقاليم إلى أن تم الفتح المبين سلاحهم كتاب الله الذي كانوا يرفعونه بأيديهم إلى جانب العلم الوطني ومعهما كانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير مع ما لهذا النداء من أثر في ملء القلوب بالإيمان وفي التعبئة وبث الشجاعة وإذكاء الحماس.
ولم تكن هذه الطبيعة السلمية ناتجة عن عجز أو ضعف ولكنها كانت اختيارا قائما ” بعد الاطمئنان إلى الله” على الثقة في النفس واليقين بالحق مع الاستعداد الكامل للدفاع عن الأرض وحفظ الكرامة وصيانة الأرواح إن دعت الضرورة لذلك.
وما كاد مبدع المسيرة الخضراء والدنا المكرم تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته يعطي في خطابه التاريخي بأكادير يوم 5 نونبر سنة 1975 إشارة الانطلاق حتى التحقت المسيرة بالصحراء لتعود اثر ذلك بدعوة من جلالته نور الله ضريحه وقد بلغت غايتها وحققت مبتغاها.
وترسيخا لهذا النجاح الباهر وتأكيدا لشعور الاطمئنان والثقة واليقين وتشبثا بالمواقف السلمية الحكيمة وحرصا على إنقاذ المجموعة الإفريقية من كل تصدع قبل المغرب سنة 1981 مبدأ استفتاء ينظم تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة.
وإذا كان أمر الاستفتاء مازال يتعثر لأسباب مفتعلة خارجة عن إرادة المغرب فانه في صيغته الشعبية والتلقائية يتجلى في كل حين معززا بالحركة التنموية الدائبة التي تعرفها الصحراء. ومع ذلك فإننا ملتزمون بالمخطط الاممي على أن يتم تسجيل جميع المنحدرين منها في اللوائح الانتخابية للمشاركة في هذا الاستفتاء.
شعبي العزيز.
إنه في الوقت الذي تشهد أقاليمنا الجنوبية تقدما هائلا وازدهارا كبيرا وقعت مؤخرا بمدينة العيون كما في علمك أعمال شغب من جراء مطالب اجتماعية.
وقد تم استغلال هذه الأحداث لترويج إشاعات باطلة وتوظيفها للنيل من سمعة المغرب في الوقت الذي تشكل فيه تلك الأعمال انتهاكا صريحا للقانون وخرقا للنظام العام بإتلافها للممتلكات العمومية ومساسها بالملكية الفردية.
وهنا نود أن نؤكد أن خيارنا للديمقراطية هو خيار لارجعة فيه وأن الديمقراطية مسؤولية كذلك وندعو إلى عدم سو ء استعمالها. وكل تجاوز أو خرق من شأنه أن يمس بالنظام العام سيتعرض للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
شعبي العزيز.
لقد أخذنا على عاتقنا أمر معالجة ملف الصحراء المغربية بمنظور جديد يتسنى به التعامل معها بإنصاف وموضوعية وواقعية فأصدرنا تعليماتنا السامية بمناسبة رئاستنا اجتماع اللجنة الملكية لمتابعة الشؤون الصحراوية بتخصيص غلاف مالي لحل مشكل البطالة في تلك الأقاليم مع تقديم تسهيلات للطلاب تتعلق بالنقل وكذا المعوقين بما يمكنهم من الاندماج في المجتمع.
وقد استهدفت التعليمات كذلك تفعيل المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء وتنظيم انتخاب أعضائه باشراك أبناء المنطقة حتى يمثلوا في اللجنة الملكية مع ما يقتضي ذلك من نظر في النصوص القانونية والإجراءات المنظمة لانتخاب المجلس بنزاهة وشفافية مما جعلنا نكون لجنة أسندنا رئاستها إلى وزيرنا الأول. كما أمرنا بمضاعفة الاهتمام بالسكن وأوضاع مخيمات الوحدة.
وحتى تتحقق الغايات التي نرمي إليها من هذه التعليمات والتي نريدها أن تبلور عنايتنا الفائقة بالأقاليم الجنوبية فقد قررنا أن نوسع لسكانها مجال تدبير مصالحهم المحلية وأن نتيح لهم مسؤولية هذا التدبير في نطاق الجهوية التي كان والدنا المغفور له قد دعا إليها في خطاب ذكرى المسيرة عام 1996 والتي سنعمل بحول الله على تعميمها بما تستلزم من لا مركزية نراها تستجيب لما يتمتع به المغرب من خصوصيات نابعة من تشكيل طبيعته الثرية وتكوين ثقافته الغنية داخل إطار من التعدد المتالف والتنوع المتناسق.
ومما لاشك فيه أن هذه السياسة التي نسلكها تغتني بالممارسة وستعطي حتما النتائج المتوخاة منها. وهنا أغتنم الفرصة للتذكير بأن أبواب المغرب مفتوحة في وجه أبنائه أينما كانوا ليساهموا في معركة التنمية والتحديث والديمقراطية ونجدد نداء والدنا تغمده الله بواسع رحمته إلى المغرر بهم “إن الوطن غفور رحيم”.
شعبي العزيز.
إننا ونحن نحيي هذه الذكرى الوطنية الغالية باستعادة أهم ملامحها واستحضار أبرز دلالاتها نتوخى مزيدا من العبر والاستنارة بقبسها كي نهتدي بها في المسيرات العديدات التي اخترنا أن نخوض غمارها بنفس روح المسيرة الخضراء لإنجاز ما يتحتم من إصلاح وتغيير قصد النهوض بالمغرب الموحد وتأهيله ليتخذ المكان اللائق به بين الدول المتقدمة في القرن المقبل إن شاء الله.
“ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة. إنك أنت الوهاب” صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.